سورة الروم - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


ثم أخبر تعالى عن حال تقلب ابن آدم في أنه بعيد الاستبشار بالمطر أن بعث الله ريحاً فاصفر بها النبات ظلوا يكفرون قلقاً منهم وقلة توكل وتسليم لله تعالى، والضمير في {رأوه} للنبات كما قلنا أو للأثر وهو حوة النبات الذي أحييت به الأرض وقال قوم هو للسحاب، وقال قوم هو للريح، وهذا كله ضعيف، واللام في {لئن} مؤذنة بمجيء القسم، وفي {لظلوا} لام القسم، وقوله ظلوا فعل ماض نزله منزلة المستقبل واستنابه منابه لأن الجزاء هنا لا يكون إلا بفعل مستقبل لكن يستعمل الماضي بدل المستقبل في بعض المواضع توثيقاً لوقوعه، وقوله تعالى: {فإنك لا تسمع الموتى} الآية استعارة للكافر وقد تقدم القول على مثل هذه الآية في سورة النمل، وكلهم قرأ {ولا تُسمع} بتاء مضمومة ونصب {الصمَّ}، وقرأ ابن كثير وعباس عن أبي عمرو {يَسمع} بياء مفتوحةً الصمُّ رفعاً، وقرأ الجمهور {بهادي العمي} بالإضافة، وقرأ يحيى بن الحارث وأبو حيوة {بهادٍ} بالتنوين {العميَ} نصباً، وقوله {إن تسمع إلا من يؤمن} معناه إن تسمع إسماعاً ينفع ويجدي، وأما سماع الكفرة فغير مجد فاستويا، وقوله تعالى: {عن ضلالتهم} لما كانت الهداية تتضمن الصرف عديت ب {عن} كما تتعدى صرفت ومعنى الآية ليس في قدرتك يا محمد ولا عليك أن تهدي، وقرأ ابن أبي عبلة {من ضلالتهم}.


وهذه أيضاً عبر بين فيها أن الأوثان لا مدخل لها فيها.
وقرأ جمهور القراء والناس بضم الضاد في {ضُعف}، وقرأ عاصم وحمزة بفتحها وهي قراءة ابن مسعود وأبي رجاء، والضم أصوب، وروي عن ابن عمر أنه قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح فردها عليه بالضم، وقال كثير من اللغويين: ضم الضاد في البدن وفتحها في العقل، وروي عن أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك أنهم ضموا الضاد في الأول والثاني وفتحو {ضَعفاً}، وقرأ عيسى بن عمر {من ضُعُف} بضمتين، وهذه الآية إنما يراد بها حال الإنسان، والضعف الأول هو كون الإنسان من ماء مهين، والقوة بعد ذلك الشبيبة، وقوة الأسر، والضعف الثاني الهرم والشيخ هذا قول قتادة وغيره ثم أخبر تعالى عن يوم القيامة أن المجرمين يقسمون لجاجاً منهم وتسوراً على ما لا علم لهم به أنهم ما لبثوا تحت التراب غير ساعة وهذا إتباع لتحيلهم الفاسد ونظرهم في ذلك الوقت على نحو ما كانوا في الدنيا يتبعون ذلك، و{يؤفكون} عن الحق أي يصرفون وقيل المعنى ما لبثوا الدنيا كأنهم استقلوهم لما عاينوا من أمر الآخرة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يضعفه قوله تعالى: {كذلك كانوا يؤفكون} إذ لو أراد تقليل الدنيا بالإضافة إلى الآخرة لكان منزعاً سديداً وكان قولهم {ساعة} تجوزاً في القدر والموازنة، ثم أخبر تعالى عن {الذين أوتوا العلم والإيمان} أنهم يقفون في تلك الحال على حق ويعرفون أنه الوعد المتقرر في الدنيا، وقال بعض المفسرين: إنما أراد الإيمان والعلم ففي الكلام تقديم وتأخير.
قال الفقيه الإمام القاضي: ولا يحتاج إلى هذا بل ذكر العلم يتضمن الإيمان ولا يصف الله بعلم من لم يعلم كل ما يوجب الإيمان، ثم ذكر الإيمان بعد ذلك تنبيهاً عليه وتشريفاً لأمره كما قال تعالى: {فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن: 68] فنبه على مكان الإيمان وخصه بالذكر تشريفاً.


هذا إخبار عن هول يوم القيامة وشدة أحواله على الكفرة في أنهم لا ينفعهم الاعتذار ولا يعطون عتبى وهي الرضى، و{يستعتبون} بمعنى يعتبون كما تقال يملك ويستملك، والباب في استفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه لأن المعنى كان يفسد إذا كان المفهوم منه ولا يطلب منهم عتبى.
وقرأ عاصم والأعمش {ينفع} بالياء كما قال تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه} [البقرة: 275] وحسن هذا أيضاً بالتفرقة التي بين الفعل وما أسند إليه قال الشاعر: [الطويل]
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى *** ثلاث الأثافي والديار البلاقع
ثم أخبر تعالى عن قسوة قلوبهم وعجرفة طباعهم في أنه ضرب لهم كل مثل وبين عليهم بيان الحق ثم هم مع ذلك الآية والمعجزة يكفرون ويلجون ويعمهون في كفرهم، ويصفون أهل الحق بالإبطال، ثم أخبر تعالى أن هذا إنما هو من طبعه وختمه على قلوب الجهلة الذين قد حتم عليهم الكفر في الأزل، وذهب أبو عبيدة إلى أنه من قولهم طبع السيف أي صدئ أشد صدأ، ثم أمر نبيه بالصبر وقوى نفسه لتحقيق الوعد ونهاه عن الاهتزاز لكلامهم والتحرك واضطراب النفس لأقوالهم إذ هم لا يقين لهم ولا بصيرة، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب {يستحقنك} بحاء غير معجمة وقاف من الاستحقاق، والجمهور على الخاء المعجمة والفاء من الاستخفاف، إلا أن ابن أبي إسحاق ويعقوب سكنا النون من {يستخفنك}، وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان في صلاة الفجر فناداه رجل من الخوارج بأعلى صوته فقرأ هذه الآية: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [الزمر: 65]، فعلم علي رضي الله عنه مقصده في هذا وتعريضه به فأجابه وهو في الصلاة بهذه الآية: {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6